كانت الشمس تلملم بقاياها وتحزم أمتعتها استعدادًا للرحيل عن الرجل الجالس في شرفته ، الناظر في إتجاه البحر إلى اللاشيء عندما دق جرس الهاتف :
- أحمد، كويس اللي لقيتك ، ساعة زمن وأكون عندك ، وأغلقت الخط !
- عايده ، ياه ، ايه فكرها بيّه دلوقت !
كانا طفلين ، بكت بشدة عندما نزلت لغرفة البواب ، ولطخ "بسناج الحلة" فيونكة فستانها البيضاء ، شبّا عن الطوق قليلًا ، كانت تهرب من " دادتها " ليرسم ابن البواب في كراستها عصفورًا أخضر لم ينبت ريشه بعد !
شبّا عن الطوق سويًا نبت للعصفور الأخضر جناحان حمراوان ، طارا ، وحطّا بقفص الصدر !!
يوم تخرجه في كلية الفنون الجميلة ، تخرجتْ في كلية الإعلام ، يومها ، قاد عصفور القفص الثورة ، أعلن عصيانه ورفرف ، حطم كل قيوده ، احتضنته وقالت :
- بحبك يا أحمد ... باحبك ... باحبك ... وتوارتْ خجلًا لما اكتشفت أن عيون الطلبة تحملق فيها وتستنكر جرأتها !
في السابعة مساء كان يدق الباب ويطلب يدها، من خلف العدستين الزجاجيتين النائمتين علي أنف معقوف قال الشعر الأبيض كالثلج:
- قهوتك بردت ياباشمهندس !
في الطريق إلي باب الشقة لمح طيفها يتسمع فرحتها الموءودة
في صباح اليوم التالي كانت ضربات الفرشاة تزغرد فوق المساحات البيضاء وترسم عصفورًا بجناح مكسور وتوقيع الرسام.
برأ جناح العصفور فطار يحلق في كل بقاع المعمورة يحمل اسم الفنان ، ويعلن عن فرشاته .
رغم ذيوع الصيت ، كان يحن العصفور الشمس من وقت لآخر لأحضان الكراسة ، فينظر للتلفاز .
رغم الشهرة ، لم تمح مساحيق التجميل لعدسات التلفاز دمعة طفلة تبكي بشدة يوم داعبها ابن البواب . ولطخ للفستان فيونكة ، وامتزج العصفور بالوان الفرشاة .
ذاب تمامًا فوق المساحات البيضاء ، تلاشي ليبعث فجأة عصفور أحمر، ترفرف أجنحته الحمراء عبر الهاتف!
.....
طه سنجر
0 التعليقات:
إرسال تعليق