السبت، 2 يناير 2021

في الفراغ قصة قصيرة .... بقلم الأديب /عصام حسين عبد الرحمن

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

قبل وصولي إلي هنا تخلصت من كل ما أملكه ، لم أكن أريد منها غير أن تكون فقط محطة عابرة في حياتي ،ترحل بعدها ،ولا تترك خلفها غير ذكري ،لايهم أن تكون سعيدة أو حزينة.قلت لنفسي من يريد الوصول لا يحتاج لوسيط،عليّ أن أنظف المكان . لم يكن كبيرا ،ولم تكن مساحته أكثر من ثمانية أمتار مربعة، وكان بعيدا..بعيدا جدا ،وكان وحيدا ،بدا مهجورا ، لا شئ هناك غير فراغ لا محدود من حوله. لم يتبق معي غير بعض الكتب،قليل منها ما أملكه ،والكثير أعارته وعليّ أن أرده،وبنطلون وقميص وجورب وحذاء ،صعب عليّ أن أميز ألوانها.
كنت خائفا من كل شئ ،فمن أدراني أن ثمة بشر آخرين يأتون إلي هنا ،الغريب أن فكرة الخوف من الكائنات الأخري لم تراودني علي الاطلاق.كان عليّ أن أتخلص من خوفي .لا حاجة لي للإنارة بعد انسحاب النهار. لم أسمع بالليل وأنا المغطي بأكاليل من قشر البصل الأحمر غير صريرا ضعيفا يروح ويجئ علي استحياء، وفي الصباح يشير إلينا الرجل العجوز علي سيارة نقل ، كانت أشبه بسيارة نقل الجنود ،نتقافز في صندوقها الخلفي بسرعة فائقة ،تحدفنا بجوار باب عشرة بمينا البصل ،يمسك كل منا بمسلة وبكرة خيط ،ويستلم ركنه ،يخيط ما يستطيع من شكاير القمح والشعير ،حدي الأقصي كان مائة شيكارة بأجر ثلاثة جنيهات.
بحثت عنه في كل مكان وفي أول ليلة تحسسته واحدا،كان صغيرا تنبعث منه رائحة كريهة ،سأعتادها كما اعتدت من قبل رائحة قشر البصل،في الليالي التالية كان يتكاثر بطريقة عشوائية، اشتد الصرير واستمر بلا انقطاع.حاولت التحمل والمقاومة بوضع ماتبقي من قماش ملابسي علي أذنيّ. رغم كل ما فعله لم تتغير ملامحه وخاصة نظرة عينيه ،ملابسه التي ثقلت ولحيته التي طالت وجسده الذي نحل،يقف بالقرب من باب مرقدي ،في فراغ ممتد بين السماء والأرض ،لا هو متمكن من الوقوف ولا هو واثق من الصعود ،كأنه معلقا ،وكأن الجاذبية قد اختفت،جنبا بجنب تقف المرأة ،يتحدث معها بعصبية و بلغة وجدت صعوبة بالغة في فهمها..لا أعرف كم مضي من السنين غير أني أتذكر جيدا أن الجوع قد ضربني فأكلت منها كل يوم واحدة ، وكنت أخرج بعد الأكل فأجد الرجل النحيل والمرأة التي يحدثها يهبطان باتجاه الأرض. ،وفي اللحظة التي لثما فيها الأرض بأرجلهم كنت أرتقي للسماء
.
.......
عصام حسين عبد الرحمن



  • 0 التعليقات:

    إرسال تعليق