- ورثناها عن جدنا محمد المراكبي الكبير .
قالها محمد الشافعي وهو يضحك من القلب ، مستنكرا خيال محدثه
التاجر عندما تصور انهم صنعوا المركب الشراعية بأنفسهم وأكمل :
- داحنا بندوخ دلوقتى على " الفطى"* لما يحصلها تسريب
أو تنخرم ..وما بنلاقيش .وعاود ضحكاته ..
كانت كمية الأجولة التي اشترك الرجال الستة في إنزالها من
القارب كافية لإخفائه واخوته الثلاثة الحسيني الشافعي ، الاباصيرى
وأبو المعاطى الأخرس ، أصواتهم تأتى من خلف أكوام زكائب البلح
المجلوبة من صعيد البلاد خصيصا لشهر الصوم القادم ، جلسوا
جميعا يتنسمون راحة بعد عناء رحلة طويلة وينظرون بعيون ضعيفة
إلى البيوت الواطئة على البعد ، حولهم جلس أربعة تجار جاءوا منذ
الصباح منتظرين وصولهم ، بينما كان الريس أنيس الذي يعمل على
المركب يقلب النار أمامه كي يصنع لهم الشاي .
قال الحسيني :
- خيطوا الزكائب المفتوحة ؟
رد أنيس العجوز وهو مشغول بفتح مجمع الشاي بعد
أن وضع
كمية السكر في البراد قبل أن يغلى :
كمية السكر في البراد قبل أن يغلى :
- بيخيطها متولي ياريس حسيني .
كانت المركب قد قطعت ستة عشر يوما مبحرة مع
التيار متجه
إلى شمال البلاد ، محملة بالبلح الابريمى كسلعة أساسية وبعض
اجولة الشطة السوداني والكسبرة .كان الحسيني الذي يتابع الأخبار
من مذياع صغير يحمله معه دوما ، قد أمر الرجال أن يتركوا بعض
الاجوله مفتوحة بحيث يظهر منها البلح واضحا ، فالنجوم الصناعية
المدسوسة بين نجوم السماء يمكنها أن تصور أي شئ ، وربما
تتهمهم بنقل أسلحة أو ممنوعات وقال إن المصيبة أنها ليست نجوم
مصرية ، المصيبة إنها غريبة ، أمريكان ، يهود .. واصبح عرفا أن
يترك الرجال بعض الزكائب مفتوحة بشكل واضح متناثرة بين الاجولة
الأخرى .
إلى شمال البلاد ، محملة بالبلح الابريمى كسلعة أساسية وبعض
اجولة الشطة السوداني والكسبرة .كان الحسيني الذي يتابع الأخبار
من مذياع صغير يحمله معه دوما ، قد أمر الرجال أن يتركوا بعض
الاجوله مفتوحة بحيث يظهر منها البلح واضحا ، فالنجوم الصناعية
المدسوسة بين نجوم السماء يمكنها أن تصور أي شئ ، وربما
تتهمهم بنقل أسلحة أو ممنوعات وقال إن المصيبة أنها ليست نجوم
مصرية ، المصيبة إنها غريبة ، أمريكان ، يهود .. واصبح عرفا أن
يترك الرجال بعض الزكائب مفتوحة بشكل واضح متناثرة بين الاجولة
الأخرى .
رشف محمد الشافعي من كوبه واكمل :
- محمد المراكبي الكبير كان عنده سبعة
مراكب .
قالها بهدوء ثم صمت قليلا ، كانت موجة من حزن شفيف
قد لفحته ،
فلم يعد يملكون غير واحدة . تبدوا لمن يراها قديمة ، وكانوا يدركون
أن يوما ما سيقومون من نومهم فيجدونها في قاع النيل ، ودوما
يشكرون الله لمنحها معجزة الاستمرار في رحلاتها تلك . من بحري
إلى صعيد البلاد عبر النيل تحمل الأرز والذرة ، تقضى أسبوعان في
الطريق وتعود بالبلح والكسبرة ، عند الجيزة ترسو مرة ، ومرة في
المنيا وتكمل طريقها ضد النهر إلى الصعيد ، "رحلة الشقا"، وفي
رحلة العودة "رحلة ألهنا" تكون زلع العسل الهدية والعجوة فاكهتنا
على المركب ، هيييييه .. أيام .
فلم يعد يملكون غير واحدة . تبدوا لمن يراها قديمة ، وكانوا يدركون
أن يوما ما سيقومون من نومهم فيجدونها في قاع النيل ، ودوما
يشكرون الله لمنحها معجزة الاستمرار في رحلاتها تلك . من بحري
إلى صعيد البلاد عبر النيل تحمل الأرز والذرة ، تقضى أسبوعان في
الطريق وتعود بالبلح والكسبرة ، عند الجيزة ترسو مرة ، ومرة في
المنيا وتكمل طريقها ضد النهر إلى الصعيد ، "رحلة الشقا"، وفي
رحلة العودة "رحلة ألهنا" تكون زلع العسل الهدية والعجوة فاكهتنا
على المركب ، هيييييه .. أيام .
تنهد وراحت تداعب خياله أيام ولت ، تشعل في
صدره حرارة
خابية ، له خمسة أيام الآن يعاوده حلم يتكرر ، يرى المركب تشق
الموج بعنف شديد ، تنحرف فجأة وترسو عند الشاطئ ويبدأ رجال
خواجات ينزلون إليها ، يفرغون الأجولة في استهانة وقسوة ،
يمسكون الحسيني من قفاه ، يرمونه إلى الأرض ويدوسون بأحذيتهم
الثقيلة رقبته ، يصرخ ، عندها يستيقظ من حلمه ، دوما يذهب ليرى
الحسيني فيجده فوق دفة المركب ، بيده مذياعه مستغرقا في سماع
الأخبار .
خابية ، له خمسة أيام الآن يعاوده حلم يتكرر ، يرى المركب تشق
الموج بعنف شديد ، تنحرف فجأة وترسو عند الشاطئ ويبدأ رجال
خواجات ينزلون إليها ، يفرغون الأجولة في استهانة وقسوة ،
يمسكون الحسيني من قفاه ، يرمونه إلى الأرض ويدوسون بأحذيتهم
الثقيلة رقبته ، يصرخ ، عندها يستيقظ من حلمه ، دوما يذهب ليرى
الحسيني فيجده فوق دفة المركب ، بيده مذياعه مستغرقا في سماع
الأخبار .
يلح لصوت المستفسر عن المراكب السبعة التي انقرضت
، وعن
الأخرس الذي يظل لساعات طويلة يجدل الحبال ، لم يعره انتباه ،
وراح يحكى من عمق سحيق :
الأخرس الذي يظل لساعات طويلة يجدل الحبال ، لم يعره انتباه ،
وراح يحكى من عمق سحيق :
- كنا نقضى الليل بلا نوم .
يروح يشير بأصابعه المعروقة إلى البيوت البعيدة
المرمية في
حضن طرح البحر ، بحر النيل ، ترقد تحت قيلولة يومهم في هدوء ،
يمكن للمدقق أن يرى كل البيوت المتناثرة عند مرمى البصر ، بعدها
تمتد مساحة خضراء حتى الطريق السريع المؤدى إلى مصر.. يقول
وتعاوده ضحكته :
حضن طرح البحر ، بحر النيل ، ترقد تحت قيلولة يومهم في هدوء ،
يمكن للمدقق أن يرى كل البيوت المتناثرة عند مرمى البصر ، بعدها
تمتد مساحة خضراء حتى الطريق السريع المؤدى إلى مصر.. يقول
وتعاوده ضحكته :
- كان جدي الكبير من وقوفنا في الجيزة
، يقول أن مصر بها
لصوص ونحن طيبون ، وان بها فقراء شحاذون ، ونحن طيبون ،
كان يخاف أن نضعف فيسرقونا أو نضعف فنتصدق بما معنا .
لصوص ونحن طيبون ، وان بها فقراء شحاذون ، ونحن طيبون ،
كان يخاف أن نضعف فيسرقونا أو نضعف فنتصدق بما معنا .
يضحك بفم مستنكر أفعال جدة ، يقول أن بها نصارى
اتباع عيسى
يعيشون مع المسلمين ، يأكلون معا ، ويعملون معا ، ويسكنون بدار
واحدة ، يقول إنها بلد العجب . ولما سمع أن بها محلا لرجل من
اتباع موسى ، استنكر :
يعيشون مع المسلمين ، يأكلون معا ، ويعملون معا ، ويسكنون بدار
واحدة ، يقول إنها بلد العجب . ولما سمع أن بها محلا لرجل من
اتباع موسى ، استنكر :
- أعوذ بالله .. معقول لسه في
حد على ملة موسى .
تتزاحم الصور .. والتاجر اللحوح يسأل :
- وبقية المراكب يا ريس محمد
، راحت فين .
تتزاحم الصور .. ويكمل :
- كنا بنأكل سمك وجبنه قديمة
في رحلة الشقا ، أما
في رحلة الهنا كنا نأكل العسل والعجوة ونستريح شويه من السمك ،
أيام .
في رحلة الهنا كنا نأكل العسل والعجوة ونستريح شويه من السمك ،
أيام .
الرجال على وشك الانتهاء من إنزال كل ما بالقارب
، وقد
رصوا الأجولة كاملة ، جاء أحد الرجال بجوال فارغ وراح يلم ما
سقط بأرض المركب ، راح يردد :
رصوا الأجولة كاملة ، جاء أحد الرجال بجوال فارغ وراح يلم ما
سقط بأرض المركب ، راح يردد :
- ما شاء الله ، ما شاء الله .
كان يعرف أنها من نصيبه مهما كانت كميتها ، حملها
على كتفه
وبدا يهبط من فوق العروق المسنودة على أرضية الشاطئ ، مر
بالحاج محمد ، ابتسم ثم مر بالحسين فابتسم ، قال له بالاباصيرى
عندما مر به :
وبدا يهبط من فوق العروق المسنودة على أرضية الشاطئ ، مر
بالحاج محمد ، ابتسم ثم مر بالحسين فابتسم ، قال له بالاباصيرى
عندما مر به :
- روح ربنا يبارك لك ، ابن حلال والله .
تنهد الرجال جميعا ، هم الحسيني ، تقدم التجار
الأربعة ، وبدأ
يشير إلى الأجولة التي ستكون من نصيب كل منهم ، نفض جلبابه ،
صفق بيده مرتين إلى "أبو المعاطى " الأخرس ،لم ينتبه ، لوح
باتجاهه بيدين مدربتين فقام ، بعد أن أزاح ألا حبال جانبا ، نظروا
جميعا إلى هناك ، كانت البيوت نائمة في هدوء القيلولة ، والطريق
إلى هناك ما يزال خاليا وممهدا ووديعا ، ولم تكن فوق رؤوسهم أي
نجوم تزعج مودتهم ، وبدءوا يهبطون .
............
يشير إلى الأجولة التي ستكون من نصيب كل منهم ، نفض جلبابه ،
صفق بيده مرتين إلى "أبو المعاطى " الأخرس ،لم ينتبه ، لوح
باتجاهه بيدين مدربتين فقام ، بعد أن أزاح ألا حبال جانبا ، نظروا
جميعا إلى هناك ، كانت البيوت نائمة في هدوء القيلولة ، والطريق
إلى هناك ما يزال خاليا وممهدا ووديعا ، ولم تكن فوق رؤوسهم أي
نجوم تزعج مودتهم ، وبدءوا يهبطون .
............
صلاح عطية
----------------------------------------------
* الفطى : صانع
المراكب وخاصة منهم الذي يقوم بترميمها واصلاح عيوبه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق