استيقظت من نومي مبكرا ، وأنا أشعر بالسعادة ؛ ولمَ لا وأنا أشعر أنني محظوظ ، وعندي من متاع الدنيا الكثير، زوجة جميلة ، وأولاد ، وسيارة ، وأشعر أنني ميسور الرزق ، ولكن عندي إحساس أن هذا لايكفي ، وهذا ما يعكر صفوي أحيانا.
أريد المزيد حتي أؤمن نفسي وأولادي ، هكذا يختلجني هذا الشعور - وانتبهت علي صوت زوجتي - وهى تناديني :
.يالا يامظلوم
أسرعت بارتداء ملابسي ، وأنا أصب الماء سريعا علي وجهي واخذت أعدهم للنزول معي جميعا.
نزلنا مسرعين ؛ وركبنا السيارة وانا يعتريني احساس داخلي بالغبطة ، استقمت علي الطريق ؛ وأنا أدندن مع صوت أم كلثوم يصدح من المذياع - هل رأي الحب سكاري سكاري مثلنا-
وأنا أتهادى علي جانب الطريق ؛ فإذا برجل أنيق مهندم يلبس البدلة ورباط العنق، ويشيرإلي بالوقوف ؛ وقفت أمامه فإذا به يسألني : ممكن معاك علي الطريق ، فأنا الجنيه .
طرت من السعادة ، ياللحظ !! الجنيه معنا ، استدرت إلى الأولاد ، ونقلتهم الي جوار زوجتي وافسحت له حتي ركب معنا وأنا أرحب به ؛ وهو يداعبني
ولا أخفي سعادتي المشوبة بالقلق ؛ تُري هل سيكفيني ؟ هل انا بمأمن ؛ أشعر انني لم اؤمن نفسي بعد !
وفي أثناء هذا التفكير العميق ، أفقت علي رجل يلبس جلبابا واسعا ، وعلي كتفيه تلفيحة ثمينة حسنة المظهر ، ويبدو عليه الثراء.
أشار لي ؛ توقفت عنده قال لي بلهجة أولاد البلد :
ألاتعرفني ؟ ، قلت له لا ، من أنت ؟
قال أنا المعلم دكان . هل يمكني أن استقل معك السيارة حتى نهاية الطريق
فانشرح صدري وأدخلته السيارة بجوار الجنيه
ولم تكن السيارة قد ابتعدت عن مكانه بقليل ، إذا إمرأة جميلة تستوقفني وتقول لي : ألا تعرفني ؟
فقلت لها : انعم وأكرم اللي يشوف حضرتك مش مهم يعرف انتي مين .
قالت بدلال : ميرسي - ياعقلي أين انت ؟ -
ثم اردفت : أنا الوظيفة ؛ طار لبي ورقص قلبي وأنا أسمع هذا التعريف .. ياهلا ياهلا
سرتُ وأنا أتمايل من شدة الفرحة، وإذا بي ألمح من بعيد رجلًا طاعنًا في السن ؛ يشير إليّ بعصاه ؛ نظرتُ اليه ؛ رجل وقور ، لحيته بيضاء ، ثيابه أيضا بيضاء نظيفة ؛ كأنها كوب لبن نقي ،
قال بتؤدة وصوت وقور شعرت فيه بالحنان والرحمة والجدية معا :
إن أمكن ياولدي هل من سبيل معك ؟ أنا الدين ياحبيب قلبي هل انا غريب عليك ؛ قلتُ : أشعر وكأني أعرفك ،
نظرت خلفي ، ونظرت إليه .
قلت وأنا أتمتم بعبارات الأسف الشديد : أنا آسف ياوالدي معنديش مكان ليك .!
نظر إلي نظرة كلها حنان وود وقال برفق :
لكم وددت أن أكون معك ياولدي
قلت وأنا أشعرُ بالأسي :
ولكم وددت أن تكون معي ياوالدي؛ ولكن للاسف ليس لك مكان
شعرتُ بالحيرة وأنا أفكر في أمر هذا الرجل
وجال بخاطري ماعليه من وقاره وهيبته
وفجأة وجدت أمامي لجنة مرور ،فضغط علي فرامل السيارة بكل قوتي حتي أحدثت دويا شديدا
التفوا حولي مد البصر ، ونظراتهم كلها بريق مخيف
وفجأة انشقوا عن رجل خرج من بينهم ، حاد النظرات ، مرعب الوجه ، شديد اللهجة
قال بصوت أجش شديد اللهجة : مين معاك ؟
حاولت اصطناع ابتسامة وقلت بصوت فيه رجفة :
زوجتي وأولادي ثم التفت خلفي
وقلت :وهذا الأستاذ جنيه ، والمعلم دكان ، والسيدة وظيفة
قال : إنت عارف أنا مين ؟
قلت بصوت مرتعش: لا
قال انا ملك الموت
غاص صوتي في حلقي ، وارتعدت اوصالي وقلت: ماذا تريد؟
قال بصوت قوي: أين الدين ؟ِ
قلت : لم اجد له مكانا كما تري فقد ازدحمت السيارة
فقال بنفس اللهجةالحازمة : لن تستطيع أن تمر
قلت وقد انتابني الأمل : مفيش مشكلة ارجع اجيبه
قال لالالالا.....لالالالالالا ؛ من يصل إلى هنا لا يستطيع العودة ، ثم إذا به يردد آيات من القرآن؛ وكأني أسمعها لأول مرة
( " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾. [سورة المؤمنون]
تجرعت كئوس الندم ، وعضضت علي يدي ، ولكن ماالفائدة ؟
إنه المصير ؛ مصير من ترك الدين ، ولم يكن له صاحبا .
...........
عصام قابيل
0 التعليقات:
إرسال تعليق