بالأمسِ،
ماتَتْ "الجارية"ُ
أُمّ كل العبيد،
الذين تطوّحوا في قطاراتِ الضواحي،
وأمّ الأسى الماثِلَ
الآن أمامكم،
المرأةُ التي أرْضَعتْ العالم
حليبَ حُزنِها،
وحين ماتَتْ
مشتْ أصابعُ كفّها معنا
في الجنازة،
التّي سَحَلت الشَّقاء معها
في الدنيا،
لم تنسَ أن تقودَه أمامَها إلى القبر،
دون أن تلقي نظرة إلى البيت،
البيتُ،
الذي كان من غُرفةٍ واحدةٍ،
ومن عَشَراتِ الأفواه،
يدخلُهُ الجميعُ،
لكن البّعضَ فقط
هو الذي كان يخرج،
بالأمسِ ماتت "الجارية"،
التي سبّت كل معارفها
قبل أن تموت،
كأنها تُسلِّم بالسُباب،
وفقَدَتْ كل حفيداتها ـ تقريباً ـ
في قطارٍ واحدٍ،
المرأة التي تجَعّد في وجهِها
ثمانين عاماً،
كأنَّ الموتَ يرسمُ لوحَتَه الأخيرةَ في ملامِحِها،
وشَمَت الشقاء تحت ذقنِها
كأنّها تبصُقُ عليه،
المرأةُ التي غَسّلت الموتى
أكثر مما اغتسلتْ ،
و أسْمَت أبناءها:
"ناصر
ونصر
وانتصار"
لم تُرسِل واحداً منهم إلى الحرب،
وحينما ذبحَ القطارُ انتصارَها الأخير،
صارت تُناديه بين المحطّات
كأنّه نوعٌ من الحلوى،
بالأمسِ ماتَتْ "الجّارية"،
في السريرِ الذي بلا أعمِدة،
النائم هناك على الأرضِ،
في شارعٍ ضّيقٍ جداً،
يفتحُ فمَه في محطّة القطار،
كأنّه يتقيّأ المُسافرين.
.......
محمود خير الله
0 التعليقات:
إرسال تعليق