السبت، 9 يناير 2021

نهاية اللعبة ...قصة قصيرة بقلم الأديب / كمال مصطفى جاد

 فصل طالبة 24 مرة من مدرستها بسبب رائحتها الكريهة - المدينة نيوز

 
حين أسأله عن سبب ما وصلنا إليه ... تعلو وجهه مرارة مع ابتسامة ساخرة ... يسكت قليلا ثم يمسك بحبل الكلام مفككا عقدالبوح الواحدة تلو الأخري ..... حفنة معلمين بقرية صغيرة ،في وطننا الممتد من الماء الي الماء. يدرسون بطريقة عفوية ،فيستوعب الصغار...عندما يتقدمون للمسابقات والاختبارات ... يحتلون المراكز الأولي .يتردد اسم مدرستنا مقترنا بالتفوق ... يفضل الاغنياء إلحاق صغارهم بنا تاركين المدارس الأحري . للمدرسة وقت محدد ، لكنه مرن ينصاع للظروف واﻷحداث وأحوال الطقس . قد يدرس الصغار بعد العصر حين تنكسر الحرارة . يمرح اﻷطغال في محيط المبني البسيط ... علاقة قوية بين الصغار وماحولهم ،طرق التعليم بسيطة ..أولية لكن عندما يتخرج التلاميذ يكونون شهبا .
يزورنا أحد المسؤولين فينبهر -وهذا طبيعي- ..بمستوي الصغار وطريقة نقاشهم ، فيعلن دعمه الكامل وتخصيص ميزانية محترمة أكبر دعما للمدرسة . نفرح بالدعم وفي غمرة فرحنا ...نوقع علي ورقة بقبول تنفيذ مقترحات مستقبلية من قبل المانحين . يستمر الوضع عاديا يقوم أجدرنا خبرة بدور المدير والسكرتير ....الي آخره باﻹضافة الي جدوله المدرسي . تقسم الميزانية أثلاثا ثلاثة بين حوافز المعلمين المجيدين ،جوائز تحفيزية للطلاب اﻷوائل وأدوات تعليمية مع الصيانة
فجأة... ومع وصول الميزانية الجديدة يأتينا مدير جديد مع صلاحية التصرف كاملة . يستتبع ذلك متواليات أخري منها -بناء سور حول المدرسة، تركيب بوابة ضخمة ...تعيين حارس وإن كان لايظهر أبدا الا في كشوف الرواتب أو عند الزيارات المفاجئة المبلغ عنها سلفا ). ..تعيبن سكرتير ينسق أمورالماليات . تعيين نائب للمدير للشئون المالية ونائب للشئون الادارية وثالث لشئون الطلاب
ورابع لشئون العهدة والصيانة .زيارات مشرفين في كل المواد لتحفيز المعلمين ( لكن لا أحد استطاع حتي اﻷن أن يفسر حالات الاكتئاب الحادة المصحوبة بإحباط وصمت وامساك مزمن رهيب والتي تصيب المعلمين بعد كل زيارة ) .
تتفاجئ المدرسة بمفتش إداري كي يتحقق من كفاءة اﻹدارة . يشارك المدير اﻵخرين غرفتهم في البداية ،ثم يشرع في تخصيص أحد الفصول كغرفة له ...يؤثثها التأثيث اللائق به زرعا للمهابة في النفوس .
يتبعه النواب بأربعة فصول ثم فصلا آخر للسكرتير وآخر للماليات .
يجب أن أثمن الدقة المتناهية في الحسابات فكل شئ مدون حسب دفاتر الصادر والوارد والمصروفات حسما من الميزانية. والحق أقول لكم؛ أن المدير لم يوفر حهدا في إدخال المنظومة التعليمية... عصر التكنولوجيا فيدخل مادة الحاسوب ويخصص معلمين لها مع فصلين للأجهزة مع أن النت ضعيف ومقطوع لفترات طويلة .
ترسل الوزارة شحنة من الحواسيب ( اللاب توب) للمعلمين لكن الادارة توزعها علي نفسها ، والحق أقول أيضا - لقد أتقن طاقم اﻹدارة (الجيم أوفر )علي أعلي مستوي .
يخسر الطلاب فصلا بعد فصل فيضيق عليهم المكان ، فتدمج الفصول ويتزايد العدد ..يقل الاستيعاب ...تكثر المشاكل . تنخفض المحفزات التي يتلقاها الطلاب ثم سرعان ماتتلاشي.
تجتذب المكافاة السنوية اﻵخرين فيأتون من هيئات ومؤسسات أخري فتمتلئ المدرسة رويدا رويدا بوظائف براقة الاسم ...إخصائي بيانات -توجيه مهني - مشرف صحي( وهو مختص بتدليك رقبة المدير خوف التيبس والتشنج) - أخصائي إجتماعي (وظيفته اختلاق المشاكل حين يظهر كالبدر يوم استلام الراتب )- أخصائي نفسي (دائم التجهم والسخط ويعطيك إحساس أنه خرج لتوه من كنيف ) - مدخل بيانات- أخصائي صيانة هارد وير - اخصائي صيانة سوفت وير أخصائي مصادر تعلم .. حراس آخرين ... عمال.... وفنيين لا نراهم إلا قليلا ؛لكنهم موجودين معنا..... باسمائهم وأرواحهم ....إلي آخره.. ..
تضطر المدرسة الي المطالبة بمضاعفة الميزانية ويستبشر الجميع خيرا عندما تصلنا الموافقة . يقترح المعلمون بناء فصول جديدة ...يوافق المدير علي ذلك لكن يفاجئ الجميع بأن الفصول الجديدة تخصص...... للادارة.!!!
من الطبيعي أن يحدث نقص حاد في ادوات الكتابة وحبر التصوير والطباعة وتهمل الصيانة الدورية .
تمر السنة اﻷولي بنتيجة أقل؛ لكنها مرضية
تظهر علامات وظواهر غريبة علي الطلاب أهمها العنف الشديد -حين يشتبك الطلاب في عراك رهيب يتبادلون فيه الضرب والقذف بالنعال والطوب والعصي. يواجه المدير اﻷمر بمنتهي الحزم بالفصل والحرمان إﻹ أن اﻷمر يتفاقم .
يهرب الطلاب قفزا من السور . يقترح أحد نوابغ اﻹدارة إقامة بوابات حديدية وتعلية الاسوار حتي تصبح المدرسة ثكنة عسكرية أو سجنا . تظهر حالات حادة للاكتئاب ،الشرود الذهني ،الذهان ،التهتهه، قضم الاظافر . هرش الجلد والحكة وعوارض أخري لانعرف لها تفسيرا.
يصبح حضور الشرطة عاديا ويكاد يكون يوميا . يزداد الامر سوءا حين تظهر نتائج الشهادة العامة متدنية . يزداد العنف فيضطر المدير الي استئجار حراس شخصيين (بودي جاردز) بعد تعرضه للصفع علي القفا (وفي أقوال أخري علي منطقة حساسة ) بينما ينزل السلم الخلفي.
يتسرب الطلاب من المدرسة. يتقاعد المعلمون المجيدون واحدا فآخر فيحل محله الاقل كفاءة والاقل خبرة أو يهربون الي وظائف ادارية مريحة وآمنة.
يقطع أحد المعلمين القدامي- وهو اﻷخير - حبل الصمت فيواجه المدير بكل اﻷمور دفعة واحدة ... ينصت المدير والنواب والمساعدون بكل اهتمام . يشكرونه علي ضميره المستيقظ وحرصه الشديد وجرأته في قول الحق . يعقد المدير اجتماعا اداريا طارئا لمناقشة المستجدات
و الحلول .
...في الشهر التالي كان القرار ..
فصل
المعلم
الاخير
لتدني
المستوي.!!!!
........
كمال مصطفى جاد 
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق