السبت، 30 يناير 2021

مصطلحات ومفاهيم - جـ 1 بقلم الشاعر الناقد / محمد علي عزب

 

 (١)

المعجم الشعري واللغة الخاصة بالشاعر

كثيرا ما نسمع عن  مصطلح المعجم الشعري وأن هذا الشاعر أو ذاك له لغة خاصة به، والمعجم الشعري هو مجموع المفردات والتركيب التي يختارها الشاعر من نظام اللغة وطريقة توظيفه لها، وهذا الاختيار يخضع لحساسية الشاعر باللغة ووعيه الجمالي بالتاريخ الابحائي والدلالي للمفردة َووعيه بمدى قدرة تلك المفردة بالذات دون غيرها في التعبير عنه

اذا فاللغة والمعجم الشعري ليس اختيارا فقط بل هو اختيار واع  وطريقة الصياغة، والربط بين المفردات لصياغة جملة الربط بين الجمل لصياغة فقرة والربط بين الفقرات لصياغة نص، وهكذا يكون للشاعر لغته الخاصة على مستوى الاختيار من نظام اللغة ومستوى تركيب وصياغة تلك اللغة الذي يعرف بالأسلوب أو التكنيك، وهناك رأي الناقد ريفاتير يقول بأن الأسلوب هو الرجل أي اسلوب الشاعر والكاتب في الصياغة هو الشاعر أو الكاتب نفسه.

......

(٢)

شعر التفعيلة والشعر الحر.. المصطلح والتباس المفهوم

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

أول استخدام للسطر الشعري بدلا من البيت كان في ديوان "هتاف الأودية" للشاعر اللبناني أمين الريحاني سنة ١٩١٠م واعيد طبع الديوان في لبنان سنة ١٩٨٦م، وفي مقدمة الديوان تحدث الريحاني عن الشعر الحر وقال إن كان شكسبير حرر الشعر الانجليزي من القافية فإن والت وايتمان حرره من وحدة الوزن، وأورد الريحاني تعريف "والت وايتمان" للشعر الحر بأنه المتحرر من العروض الرسمي، وان الشاعر يمكن أن يدمج أكثر من وزن في قصيدته وان موسيقى الشعر الحر موسيقى حرة، ثم جاءت نازك الملائكة وأحدثت نوعا من اللبس بين مفهوم الشعر الحر وشعر التفعيلة وقد أشرت إلى ذلك اللبس بالتفصيل في مقالي "نازك الملائكة وحداثتها المنقوصة في قضايا الشعر المعاصر" المنشور في مجلة الرافد الاماراتية عدد مارس ٢٠٢٠م،  إذ أن نازك في كتابها قضايا الشعر المعاصر أطلقت على شعر التفعيلة مسمى شعر حر، وهذا الخطأ مازال موجودا حتى الآن في الساحة الأدبية العربية، فإذا نظرنا لعلاقة شعر التفعيلة بالعروض ومفهوم الشعر الحر عند "والت وإينمان" سنجد أن شعر التفعيلة يختلف تماما عن الشعر الحر، فإن كانت قصيدة التفعيلة قامت بتكسير البيت الشعري الذي يعتمد على عدد محدد من تفعيلات البحر الواحد فإنها لم تهجر العروض والوزن بشكل نهائي، قصيدة التفعيلة تعتمد في بنائها الموسيقى على التفعيلة بدلا من البيت اي الشاعر ليس مقيدا بعدد محدد من التفعيلات في السطر الواحد والشاعر حر في الإتيان بحرف الروي من عدمه، اكتفت قصيدة التفعيلة بثمانية بحور من ستة عشر بحرا هي الرمل والرجز والهزج والوافر والمتدارك والمتقارب والكامل والسريع، ولا يجوز المزج بين أكثر من بحرين في قصيدة واحدة، وهي بذلك خرجت عن مفهوم الشعر الحر كما قدمه ”والت وايتمان“ وكما نشأ في الثقافة الأنجلو أمريكية، وهناك لبس آخر أحدثه جبرا إبراهيم جبرا عندما عرَّف الشعر الحر بأنه الخالي تماما من الوزن، وهذا اللبس لم ينتشر مثل اللبس الذي أحدثته نازك الملائكة.

وقصيدة العامية قصيدة شعر حر وليست قصيدة تفعيلة لأنها لا تقوم على وحدة التفعيلة بل تقوم على اعتصار موسيقى اللغة، والدمج بين التفعيلات المتقاربة وتحوير شكل التفعيلة بما يتناسب مع طبيعة العامية،

وقد أشرت إلى ذلك بالتفصيل في كتابي "عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة" الصادر عن إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد سنة ٢٠١٤م ص ١٥، ١٦،

وفي مقالي السابق الذكر المنشور في مجلة الرافد عدد مارس ٢٠٢٠م.

وفي مقالي "الشعر العامي العربي.. المفهوم والتاريخ والمصطلح" المنشور بمجلة الثقافة الجديدة المصرية عدد يونيو ٢٠٢٠م.

.......

(3) مصطلح قصيدة.. وكيف تكون قصيدة ونثر في نفس الوقت؟

 

القصيدة بنية لغوية جمالية دالة على الشعر، هي جسد الشعر وقلبه النابض، والقصيدة العمودية هي أقدم شكل شعري عربي، ولا يطلق على النص الشعري العمودي مصطلح قصيدة إن كان هذا النص أقل من سبعة أبيات موزنة ومقفاة بقافية واحدة، وما دون ذلك يسمى مقطوعا شعريا، وظل هذا الشرط ملازما للقصيدة العربية حتى بعد ابتكار أشكال شعرية جديدة في القرن الثالث الهجري وما بعده فلم يسموا النص الواحد من تلك الأشكال قصيدة بل سموا النص باسم الفن الشعري الذي ينتمي إليه فالنص الواحد من الموشح سموه موشحا والنص الواحد من الزجل سموه زجلا أو حملا وهكذا المواليا / الموال والدوبيت والكان وكان والقوما، لأن هذه الأشكال الشعرية سواءا فصيحة أو عامية كانت خارجة على الشكل العمودي وشروطه الشكلية الخاصة بالوزن والقافية، وإن كانوا أطلقوا على نوع من الزجل مسمى قصيدة زجلية وهذا النوع يقوم على وحدة الوزن العروضي ووحدة القافية وقد أورد ابن خلدون نماذج منه في مقدمته الشهيرة لزجال الأندلس عبد الله بن مدغلبس، وهذا النوع ظهر بعد رسوخ الزجل ذي المقطوعات المتنوعة القوافي الحرة الأوزان، ولم يكتب للقصيدة الزجلية الانتشار وظل الزجل ذو المقطوعات إلى يومنا هذا هو الممثل الرسمي لفن الزجل، وكذلك هناك الشعري البدوي العامي بلهجة أهل البادية كان يسمى النص الواحد منه قصيدة وهو قائم على وحدة القافية والوزن الحر الذي قد يخالف أوزان العروض وان كان هذا الفن الشعري خاص بأهل البادية ولم يدخل المحافل الشعرية الرسمية إلا قريبا، وظل الشعر العمودي مستحوزا على مصطلح قصيدة دون غيره من الأشكال الشعرية الأخرى في المحافل الثقافية الرسمية، إلى أن جاءت قصيدة التفعيلة وشاركت القصيدة العمودية في حوز مصطلح قصيدة، وجاءت قصيدة النثر منذ سنة١٩٦٠م لتشارك العمودي والتفعيلة في المصطلح، َومن هنا بدأ سؤال المعارضين كيف تكون قصيدة وكيف تكون نثر في الوقت وكما هو معروف ان القصيدة تدل على الشعر وليس النثر؟! أليس هذا تناقضا في المصطلح؟!، والإجابة أن قصيدة النثر شكل شعري فالشعر رؤيا مثل الحلم والكشف الصوفي فالشاعر صنو الحالم يشكل ويجسد رؤياه الشعرية بلغة موحية قائمة على التخيل والترميز والعمق، وشاعر قصيدة النثر يبحث عن الشعرية ( الرؤيا والتشكيل) في النثر الخالي من أوزان العروض، هي قصيدة خامتها النثر، وقصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية خامتهما النظم العروضي وقصيدة العامية خاماتها العامية، وكما قال أدونيس الشعر يمكن أن يكون نظما أو نثرا فالنثر والنظم مادة خام للشعر، وكما معروف في كل المجتمعات أن المنتج يسمى باسم الخامة ولنضرب مثلا لذلك في قولنا هذا قميص صوف وهذا قميص قطني وهكذا. فهذه قصيدة نثر وتلك قصيدة تفعيلة وتلك قصيدة عامية

.......

(4) الشعرية

مصطلح الشعرية أطلقه "تزفتان توردورف* وآخرون على الخصائص المجردة التي تعطي للنص الأدبي هويته، والشعرية بهذا المفهوم تعادل مصطلح الأدبية الذي أطلقه الشكلانبون الروس على العناصر والمقومات التي تجعل الأدب أدبا، إذا لا تقتصر الشعرية على الشعر فقط بل هناك شعرية القصة وشعرية الرواية، فعندما نقول شعرية السرد فإن المقصود هنا مجموعة العناصر الفنية المتضافرة التي تجعل السرد سردا ادبيا، وهي الراوي والمروي له والزمان والمكان والحدث والتنامي الدرامي والرؤية الفنية والعمق واللغة القصصية.. إلخ، وإلى أن الشعرية هي المقومات الأساسية التي تجعل الأدب أدبا، فهي أيضا تمثل الخيارات الجمالية وطريقة توظيف الأديب لأدواته بطريقة تخصه.

والشعرية إلى جانب ما سبق هي طريقة في قراءة النصوص الأدبية، وتشريحها والتعرف على مكوناتها والخصائص التي تعطي لكل نص فرادته وتميزه الأدبي، وهي قراءة للنص من داخله، فطالما لدى القارئ / الناقد معرفة بالعناصر التي تجعل نصا ما نصا ادبيا فإنه يستطيع قراءة النص والتقاط جماليته عبر تقصي لغه النص والإجابة عن أسئلة النقد كيف يقول؟ وماذا يقول؟! واستشراف ما يمكن ان تكون عليه النصوص القادمة للأديب من خلال الكشف عن الجماليات الجديدة  وإلقاء الضوء عليها وتنبيه الأديب إلى أهميتها والسعي إلى تطويرها.

وان كانت الشعرية في احد تعريفاتها تتفق مع الأدبية، فإنها كانت أكثر اتساعا وشمولا من الأدبية كما وضحت سابقا، بل إن الشعرية التي يطلق عليها احيانا الشاعرية قد انتقلت من حقل الإبداع الأدبي إلى الحياة العامة لتصف كل ما هو جميل، وما الذي يجعل الجميل جميلا فيقال مثلا هذا منظر شاعري وهذه جلسة شاعرية وهكذا..

......

(5) الدراما

 

مصطلح دراما من أصل الفعل    Dram في اللغة اللاتينية ويعني فعل الحركة "يتحرك" ، والدراما هي الشعر المسرحي وبداية المسرح كانت شعرية في حضارة الإغريق، حيث كان الشاعر يصعد للمسرح ويؤدي حركات تمثيلية اثناء  القاء النص الشعري، ويلون صوته ويغيره وهو يؤدي الحوار على لسان الشخصيات، ثم أضاف الشاعر ممثل ثان يلقى النص معه بحركات تمثيلية ثم ثالث ورابع إلى أن أصبحت كل شخصية يقدمها ممثل، وتنقسم الدراما إلى تراجيديا وتعني المأساة وكوميديا وتعني الملهاة الساخرة، ومن أشهر شعراء التراجيديا عند الإغريق سوفكليس صاحب مسرحية "اوديب ملكا" التي اشتهرت في العالم كله  اتخذ الطب النفسي من عقد اوديب تسمية لمرض الشعور بالذنب تجاه الأب، حيث أن الملك والد اوديب رماه على الجبل وهو صغير لأن العراف قال إنه انك ستنجب ولدا يقتلك ويتزوج أمه، فيجد ملك البلد المحاورة الطفل اوديب ويتبناه ويكبر اوديب ويظن لن هذا الملك هو والده، وبعد موت الملك يصبح اوديب ملك ويدخل في حرب مع البلد المجاورة ويقتل والده الحقيقي دون أن يعلم أنه والده الحقيقي ويرغب في الزواج الملكة ثم يكتشف أنها أمه فيفقأ عينيه وتنتهي المسرحية بهذه المأساة،

هذا عن الدراما الإغريقية، اما في في العصر الحديث فقد اتسع مفهوم الدراما واصبح يشير إلى التمثيل بوجه عام وخاصة تمثيل المسلسلات، واتسع كذلك مفهوم الدراما في الأدب فلم يعد يخص الشعر المسرحي فقط، بل أصبح يشير أيضا إلى بنية النص الشعري، فالقصيدة الدرامية هي القصيدة التي يوظف فيها الشاعر ثيمة من ثيمات المسرح كالحوار أو المكان والديكور والشخصيات ... أو تكون القصيدة ذات حس تمثيلي... وكذلك توصف القصيدة بأنها ذات بنية درامية إذا كانت تجسد فكرة الصراع بشكل تمثيلي، حيث ينطلق الشاعر من بؤرة حدث ما ثم يتصاعد هذا الحدث ويتنامي دراميا ويبرز فكرة الصراع بين ضدين، إذا فالقصيدة الدرامية هي القصيدة التي تعتمد على التمثيل وإبراز فكرة الصراع بين الأضداد أو المتناقضات.

.....

 محمد علي عزب

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق