الأحد، 31 يناير 2021

بريق ..بقلم الشاعر / خالد إبراهيم



حين أتاني الصبح وأخذ يقبلني 

على غير العادة

ألمحني في عينيه بريق

أدركت بأن الصبح 

كغور البحر عميق

رعشة أصابت جسدي النحيل

وأنتابتني نوبة من الغشيان

الغرفة تصرخ والمنضدة تنوح

والأوراق المتناثرة تصارع

 نزل الريح

وأنا مطروح فوق سريري الجريح

أسمع الأصوات ولا أدري

كيف أبوح


سكين تسكن حنجرتي

وجفوني تمتليء دموعا

وجبيني يلفظ من عرقي

سما منقوعا

وإذا ببريق ألمحه

يقترب قليلا فقليلا

اقترب الرمز وقبلني

قبلته الاولى

شريان حياة في فمه

شريان حياة

قد دب بأوصالي فجأة

فأراني  الله

وتوالت من بعد الأولى

عدة قبلات

تنتحر الشمس لفتنتها

تحيي الاموات

والنجم يغار لطلعته ويتيه دلالا

لا يعرف كيف يماثله

 حسنا وجمالا

فيقرر ان يرحل خجلا 

ويشد رحالا

......

خالد إبراهيم




                        ^^^^

السبت، 30 يناير 2021

(حسن هزاع ) طائر الحب الضاحك بقلم الأستاذ / محمود أبو عيشة

 



ربِّ هبْ لي من لدنك قصيدةً

تكن عملًا صالحًا

هل مات. لا لم يمت. الشعراء لا يموتون. إنني أرى وجهه الضاحك، يُلقي شعرًا على الملائكة. تقصد الشياطين. لا شياطين في الشعر، تلك كذبة كبرى. طائر الحب الحزين. لا تقل ذلك، قلْ طائر الحب الضاحك، هذا هزاع بين لقاءين، قبل الأخير يُسجله محمد عكاشة بقلمه وكاميرته، أبوعيشة كشيخ كتاب محنك، يشبك أصابعه ويميل برأسه مصغيًا بحكم أنه فقيه لغوي، كان يومًا جميلًا مع الشاعر ناصر محمود والشاعر محمد عزب في ضيافة عم حسن.

في العام ألفين وستة عشر كنا نحتفي بعلي منصور بالمركز الدولى للكتاب، سألتُ مَنْ طريقه يوافق طريقي. قال حسن أنا. دخل السيارة بحياء شاعر يستحي حتى أن يقول إنه شاعر وأهداني ديوانه الأول (فاصلة خارج النص) بإهداء كاشف، فاصلتي ظل أتوكأ عليه بينكم. قلت مداعبًا ليتها كانت فاصلة.

أنا البلاهةُ

أعشق مؤخراتِ وعودٍ

بدأتْ بحرف السين

في برنامج الحكومة

قرأت اعترفاته فصحتُ وجدتُ شاعرًا فحلًا وعلى القبيلة أن تحتفي. وقلت عليك أن تغزو العالم. فصار ضيفًا على ندوات القاهرة والإسكندرية، ونشر ديوانه الثاني (قال الصمت لي).

تسألني الأشياءُ حولي مندهشةً

ما بك هذا الصباح ؟

ذلك أني مسحتُ أرقًا عالقًا بها

أطلقتُ غرفتي من أسْرها لتصافحَ نسائمَ كانت

تتوارى خلفَ النافذة

كنتُ رقيقًا مع فنجانِ قهوتي، أمهلتُه حتى انتشى برائحةِ البنِّ المحوج

ألقيتُ التحيةَ على "العِقد الفريد"و"أرسولا" و"محمود أبو عيشة حتى مطلع الفجر".

هذا طائر الحب، المتيم بالحياة، مَن يحب الحياة لا يدركه الموت، الشاب اليافع، كما أناديه، الطائر الذي يصيد فراشات الحب الجميلات، حالة حب، أقول له أنت شاعر حقيقي، اخرج من قفص (فِعَال)، تبتسم عيناه المملوءتان عشقًا. الحب الخالد الذي خلقه خلقًا بعد خلق، يحكى لنا قصته مع الشعر: لم أعش حياة مترفة، لكني كنت محظوظًا؛ فأنا الوحيد بين إخوة خمسة الذي تلقى تعليمًا جامعيًا، مات أبي في التاسعة والثلاثين، كنت في بداية المرحلة الثانوية، مرحلة تكوين ثقافي ووجداني وإقامة علاقات اجتماعية مع الآخر وتشرب القيم خاصة الدينية وتصور مجتمع مثالي، لم يكن لديَّ اختيار بين أن أواصل تعليمي ومساعدة الأسرة التي فقدت عائلها ولا دخل لها على الإطلاق، التحقت بالعمل في مشروع رصف طريق غرب بحر تيرة ضمن مشاريع شركة حسن علام، ما أدخره من العمل في شهور الإجازة كان يعيننا في سد احتياجتنا الأساسية، لم أشتر كتابًا، لا رواية ولا ديوانًا، كان اعتمادي على مكتبة المدرسة فقرأت إبراهيم ناجي وبيرم التونسي والمنفلوطي، إلى جانب اهتمامي بالفلسفة لما غرسه مدرس الفلسفة أستاذ نصحي في نفسي من حبها، مرت المرحلة الثانوية بسلام دون تكوين ثقافي يتناسب والمرحلة، إذ كانت مجلة الطليعة والكاتب ومجلة العربي هي كل ما أستطيع شراءه إلى جانب الاستعارة من صديقيَّ محمد غيطاس ومحمد مهدي،كما كانت إذاعة البرنامج الثاني زادًا يوميًا من المسرحيات العالمية.

في العام ١٩٦٩ /١٩٧٠ التحقتُ بكلية التربية جامعة عين شمس، وكان لي أصدقاء بكلية دار العلوم،أبلغني محمد جبة وصبري أبو باشا أن صباحية شعرية تعقد كل يوم سبت بالكلية ودعواني للحضور، فكنت مواظبًا على حضور هذه الصباحية الشعرية، وذات مرة أردت المشاركة بنصَّ مازلتُ أذكره بعنوان "ستُّ الحُسن".

ياسيدتي

يعلو الشَّعرَ الأسمرَ تاج

يبدو الدفءُ، يبدو الحبُّ في عينيكِ اللامعتين

تأتي الشمسُ كيما تأخذ بعضَ شعاعٍ من عينيك

أشعرُ أني لو أتقرب

أُصبحُ أعظمَ من سلطان

لستُ أميرًا حقًا لكن

يقذفُ بي قدري المحتوم

كيما أصبح مثلك يومًا

محضَ أمير

يعلنُ مولانا السلطان

لن يتزوجَ ستَّ الحسن غيرُ الفارس

من يأتيني ببحرِ دماءٍ دون جروحٍ في كفيه

يدعو في جهرٍ وخشوع

طال العُمرُ وزاد الجاه

عمَّ الخيرُ وزال الشر

للسلطان، عن السلطان

يا سيدتي

هذا أبوكِ يعلنُ أن الدربَ الأوحد

دربُ دماءٍ، محضُ رياء

ياسيدتي

هل تخشين السوطَ، العزلة، والسَّياف

قولي إنكِ لا تخشين

أما عني

فلست أخاف

يا سيدتي

قولي إن الدربَ طويلٌ يا مولاي

مَن يتحمل

يصبحُ صهرًا للسلطان

دون دماءٍ أو بهتان

وقبل أن أكملَ المقطع الأول من النصِّ، سألني أحد الجالسين على المنصةِ بنبرةٍ ساخرة: أسمعتَ موسيقى أسمر، حبيبي الاسمر؟ فضجَّ المدرجُ بالضحك وخرجتُ كسيفَ الوجدان ولم أتجرأ على حضور أمسيات ولا ندوات.

انقضت سنوات الدراسة بالجامعة دون غرس ولا زرع؛ جراء ما تعرضتُ له مما حسبته إهانة وأنا ابن الثمانية عشر ربيعًا، فلم أتجرأ على حضور أمسية أي لكني كنت مواظبًا على القراءة شعرًا من مجلة الشعر التي كان يرأسها شوقي ضيف، ثم عبد القادر القط، ومسرحًا من خلال سلسلة المسرح العالمي وقصة ورواية مما يتوافر لدى الأصدقاء.

خطبت ابنة زوج عمتي قبل تخرجي بشهرين فقلت فيها ما أحسبه شعرًا مما أذكره نصًّا بعنوان أصغي إليّ، لحنه سيد بركات شقيق صديقي محمد بركات من منية شبين القناطر.

حين يؤوبُ الليل

أخفي وجهي في كفيّ

أخلعُ عن ذاكرتي وجهَ الناسِ، وضوءَ الشمسِ وكلَّ قصاصات الأحداث

لا يبقى في ذاكرتي إلا عيناكِ الدافئتان

عُينتُ مدرسًا للفلسفة بمدرسة بني مزار الثانوية بنين بمحافظة المنيا، أمضيتُ بها عامين دراسيين، لم أشارك في أمسياتِ الشعر وندواته وإن كنت كتبتُ ما يشبهه تارة بالعامية وأخرى بالفصحى أذكر منه نصًّا بالعامية بعد حرب أكتوبر

أحبك أد حبك للحياة والناس

أحبك بسمة تتمخطر فوق شفايفهم

أحبك نسمة جيّا لي تثير فيا شجن، إحساس

فغنيلك غنايا حب

وأهديلك هدايا الحب

عشان تمشي قصاد الناس

بكل الحب يا غنوة بغنيها بكل الحب

يا بلدي

وأخذت عن هذا النص من مركز التدريب بعد التحاقي بالقوات المسلحة لأداء الخدمة العسكرية عام ١٩٧٦، استدعاني قائد السرية اسمه لطفي- للأسف لا أذكر اللقب- للاشتراك في مسرحية طبيخ الملايكة بطولته والممثل وجدي العربي على مسرح قصر ثقافة زينهم.

 طرقت باب النشر دونما جدوى إذ ذهبت أنا وعلي منصور إلى محمد مهران السيد بمقر المجلة التي كان يعمل بها، كان رجلًا طيبًا، لم أكرر محاولات النشر وآثرت الاختباء حاملًا هموم الحياة وحدي.

كنتُ أسجلُ ما أكتبه مما يشبه الشعرَ في أوراقٍ وكراساتٍ تجمعها وأعدادٍ كثيرة من مجلات الطليعة والكاتب والعربي الكويتية، إلى جانب أعداد من سلسلة المسرح العالمي ثلاثُ كراتين احتفظتُ بها بعد انتقالي في ٢٨ نوفمبر عام ١٩٧٨ إلى شقة الزوجية، كانت تلك متاعي، جرت انتخابات مجلس الشعب عام ١٩٧٩ وشاركت أصدقائي سعيد أبوطالب وعلي منصور وكمال الصفتي في دعم مرشح حزب التجمع عبد العاطي شعلان، وزار مدينتنا خالد محيي الدين وألقى عبد الباري البسيوني نصَّا بعنوان أموتُ جوعًا من أجل عينيك.

إلى متى ستظلُّ ألسنةُ الجياعِ معلقة

بين انتفاضة الأمعاءِ تصرخُ من سياطِ الجوع

بعد اللقاء قال شكري البسيوني إن أمن الدولة يبحث عنا، فخفت ولم أذهب إلى شقتي والتجأنا إلى الله وأمضينا ليلتنا بمسجد الصوافين، في الصباح عدت إلى شقتي، سألت زوجتي هل سأل عنَّي أحد. لم تجبني، لكنها أرسلت ما لديَّ من كراتين الكتبٍ والكراسات إلى أمي، فما كان من أمي إلا أن حملتها إلى فرن جدتي لتكون طعامًا ليوم خبيزها، فقدت ذخيرتي لمجرد شائعة خوفٍ أن الأمن يطاردني.

انقطعت علاقتي بالشعر بعد لقاء خالد محيي الدين، أغسطس عام ١٩٨٠ سافرتُ إلى اليمن للعمل مدرسًا للفلسفة وفي صنعاء الجميلة التقيت عبد العزيز المقالح بالمركز الثقافي اليمني، كان  لقاءً عابرًا استمعت إلى أدائه الهادئ، كان شاعرًا دمث الأخلاق، محبًا لمصر وللمصريين.

 تقدمت للعمل معدًا برامج بالإذاعة اليمنية، تقدم كثيرون مصريون وسوريون وفلسطينيون، وقع الاختيار عليَّ بعد اختبار تحريري ولم يتبق سوى المقابلة الشخصية، قابلت يحيى النونو المشرف على اختباراتنا، طلب مني إعداد برنامج في ستة سطور، فكان "حكم وأمثال" واخترتُ مثلًا يمنيًا "ما تحرق النار إلا رجل واطيها"، شبيه مثلنا المصري ما تحرق النار إلا اللي كابشها، سألني مدير الإذاعة والتلفزيون آنذاك، لا أذكر اسمه لكنه كان خريج كلية التربية جامعة عين شمس، عن اسم عميد الكلية سنة تخرجي، فذكرت العميد السابق عليه قدري لطفي، فلم أوفق في الالتحاق بوظيفة معد البرامج.

حسبت أن خطاب تعييني مدرسًا سيكون بصنعاء، غير أنه كان بمحافظة الحديدة بمدرسة باجل الثانوية المشتركة، وانتهت علاقتي بالشعر تماما في باجل حيث تحول اهتمامي إلى التدريس وجلسات المقيل، عدت من باجل، أمضيت الإجازة مع ابني أحمد وزوجتي، غير أن أصدقاء كثر أكدوا أن بالعراق حتى لو لم تعمل فسوف يكون لك الحق في تحويل نسبة محددة من الدولارات، فكانت رحلتي الثانية العراق محافظة واسط، ذهبت أول يوم ذهبت لصلاة العصر فإذا بها تباغتني بنشوة صوتها إيش لونك يامصري. لم أدر ماذا أقول فلم أتمكن بعد من اللهجة العراقية، قلت لها أهليييييين. لم يُمح صوتها النشوان من نفسي حتى وأنا في الصلاة، فاستغفرت الله واستعذت من الشيطان، في الصباح ذهبت والزملاء لتقديم أوراق تعيننا بمدارس محافظة واسط، فكان قدري أن أقوم بتدريس اللغة الإنجليزية بمدرسة السويس الابتدائية بقضاء الحي، لا مجال للشعر في هذه الفترة سوى أغنيات باللهجة العراقية احتفالًا بميلاد صدام حسين وتكوين حزب البعث العربي، عامان دراسيان بالعراق، اطلعت خلالها على بدر شاكر السياب وصادفت بلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي وسعدي يوسف وغيرهم بمجلة آفاق عربية، عادت صلتي بالشعر قراءة وعرفت قدماي الطريق إلى معرض الكتاب فاقتنيت الأعمال الكاملة لصلاح عبدالصبور وتعرفت أحمد عبدالمعطي حجازي وإن اختلفت معه في موقفه من قصيدة النثر متسائلًا بدهشة ألا تشبه الليلة البارحة ألم تقف الآن موقف العقاد من قصيدة التفعيلة.

عدت إلى اليمن مرة أخرى في العام الدراسي ٨٤ /٨٥ بتعاقد خارجي للتدريس بمعهد المعلمين بخولان، وفي العام ٨٥ / ٨٦  بمدرسة خالد بن الوليد الابتدائية الإعدادية، وكان من بين تلاميذي بالصف الأول الابتدائي ابني أحمد، في العام ٨٦/ ٨٧ درست اللغة العربية للصفين الثاني والثالث الإعدادي وأنا غير المتخصص لكنها قناعة مدير المدرسة علي سعد محمد، وفي العام الدراسي ٨٨/  ٨٩ انتقلت إلى مدرسة بن ماجد الثانوية لتدريس الفلسفة، فكانت شهرتي بين مديري المدارس الثانوية، الأمر الذي جعل لطفية حمزة مديرة مدرسة أروى الثانوية للبنات تطلبني بالاسم من مدير التربية بأمانة العاصمة، فكان العام الدراسي ٨٩ / ٩٠ بداية عملبي بمدرسة أروى الثانوية للبنات؛ ليحدث بعد ثلاث سنوات ما جعلني أكتب الشعر من جديد دون اهتمام بالشكل، لكن الموضوع واحد.

 مرت السنون كأي شيء عادي، ذاعت شهرتي كمدرس للفلسفة لدرجة أني دخلت بيوت علية القوم في صنعاء، وفي ظهيرة يوم ربيعي بعد خروجي من الفصل استوقفتني وألقت في وجهي باقة ورد، وقالت مسقطة ما تقوله عليّ كأنها قرأت كتابي المفتوح ومعاناتي ورغبتي في الكتابة، أستاذ أنت تُحبني. لم أقل شيئا بل كانت القصيدة تفتح الباب لقصيدة أخرى، وكانت جريدة الثورة اليمنية شاهد عيان عن هذا المكنون الذي ما فعلت "فِعال" سوى أن ألهمتني.

 عدت إلى بلدتي بعد اغتراب طال، ترقيت في الوظائف من مدرس أول فلسفة إلى موجه ثم موجه أول، والتحقت بجهاز التفتيش والمتابعة بمكتب وزير التربية والتعليم عام ٢٠٠١، حتى خرجت إلى التقاعد عام ٢٠١١، في تلك المرحلة السابقة انقطعت علاقتي بالشعر مرة أخرى، لكن في مساء ليلة تبللها زخات مطر خفيفة وكنت قد اشتريت لابتوب، بالصدفة البحتة وجدتها، دخلت إلى صفحتها تعثرت بسؤالها..

أطيفه قل

أما زلت نبضة في هواه؟

وكغرٍ ساذج قلت لها معلقًا مازلت يا فِعال، لكنها في رسالة على الخاص تعاتبني، فقد أصبحت زوجة محبة لزوجها وأمًا لأطفال ثلاثة ولها من الأصدقاء من هم مشتركون بيننا، لم أرتدع وتدفقت القصائد، أنشرها مباشرة بصفحتها، فقامت بحظري فزادت قصائدي وتضمنت دواويني حتي رابعها (أتسكع في بستان ذاكرتي) الذي يصدر قريبًا عن دار كيميت نصوصًا لها وقبله (أنتظر خارج الوقت) فشكرًا فِعال شكرًا، لم تعيديني إليكِ بل أعدتيني إلى الشعر محبوبي، واستمرت علاقتي به التي لم يستطع أحد حظري ولا الوقيعة بيني وبينه فحضرت فعاليات هنا وهناك، وها أنا أسير معه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا، تلك قصتي مع الشعر الذي أحببته وإن كنت أغيب عنه لظروف ما، فهو يعتمل في جوانحي ليخرج إليكم عاريًا بلا أقنعة.

سلام يا حسن حتى نلتقي اللقاء الأخير

.......

محمود أبو عيشة

إشارات الخلاص ونفير الملاذ... بقلم الشاعرة د. إكرام عمارة

 قد تكون صورة لـ ‏‏‏شخص واحد‏، ‏جلوس‏‏ و‏طعام‏‏

 

حين أوصدت باب الكوخ, وآثرت الجلوس على حافة النهر؛ راع انتباه أذناي, صوت الآت من عُمْق الذوبان, وتجسدت صورتها بوهج شعاع الشمس, المداعبة للجاري من مياه الحب؛ خطواتها طيران بلا أجنحة.
ملاذ هبوطها مطار قلبي المُجْتلى؛ أيا حروف قصيدي, أين دواوين اللهفة ومداد التشاغل؟!
تعجلي بطلب الخمائل؛ لفض رسائل المصلوب من عطر التمني, مازلت بباب الكون؛ أنتظر إعلان النجمات عن صورتي بعيون معشوقتي الأثيرة.
و ما التمرد الوليد إلا خطوة على مسار التصحيح؛ أرسى قواعد كينونته صبر, آن زئيره بعد نيرللتصورات؛ لا تنبس ببنت شفه, و طريق للشرود أمضَ انزياحاته؛ ريح السراب المهمهم ذراته نحيباً, حده الخلاص.
ووعد المداد للزفرات حُسن خاتمة, و عُقبى صادفتْ مناص, حروف كأنفاس تحرق أجران الخذلان؛ بلهيب المُلًغم من حقل الرؤى و الأفكار.
أيا دِيمَة حَسْبُك مُجتلى انبعاثاتي, مَنْ داهم الظل بإشعال و إرهاص؟! مُصلاَّه بوحي و تُؤدة؛ يصعب على العناكب؛ ثُقْب سجادتها, سل المُتدلَّى من عناقيد الآيات و كرْم التسبيحات؛ كم من السُحب تُطْوى! كم من الزخات بهطول للعشق تسري! كم من شفرات للمُطلسَم! أفزعت أنامل المباغتة للإفصاح عن ركام المشدوه من التفاصيل.
كأني بوهاد ونجاد عصف بها الآيل للتتبع من مذنبات البراءة منوط به رصد المغاير لنواميس المطبوع بلائحة الخلاص ونفير الملاذ؛ رقيم يسرد بمحفور حكاياه المصلوب تفاصيل رموزه، تعاليم بتاح وفيضان البحر للحكمة بلسان فيلسوف مجيد؛ لوثته الطلاسم المشردة على جدران المتاهة بصعيد الروح المعذبة لا درب يعلن ولاءه للعدل، ولا لواء يحمله قاهر للعجاف من السنوات بتأويل رفقاء لهم وهج الملائكة، ولاصفحات بدفتر الانتظار يبهج سطره مدادي، هل أنا من يسكنني أم ذاك الباكي المأزوم تاريخه؟! هل طاف ببيدركم ماحاق بمآربنا وغاص لليله الحلم؟ هل نهرتكم صخرتي وأبت سماعكم حين نفد من تجلدها الصبر؟
هل فقهتم غبطة السكون حين يغيب رحلكم ولااقتفاء لأثركم الباهت بعيون الحقيقة؟
قارورة مُحكَمة الغَلْق؛ صادفت نداءها على شط التعلًق؛ فوجدت بمخبوء سطورها رحلة واله, عِشْقه من نبيذ صوفي؛ أثمل الفصول, وحالة خريفها مهب السقوط.
قرأت المُنَضَّد من بين الأحرف القاطنة أوردة السطور؛ فإذا بالنبض, يتشعلُّه المُثيرمن لغز المُضْغَم بإشارات الخلاص و نفير الملاذ؛ يؤرِّقه كُمون الترقُّب مابال قراءة المخبوء بمداد التصبر؛ يُعلِّق القادم على شفا دمعة, أعياها انصياع الجوانح بامتثال و خضوع.

...........

بقلم/ إكرام عمارة.

مصطلحات ومفاهيم - جـ 1 بقلم الشاعر الناقد / محمد علي عزب

 

 (١)

المعجم الشعري واللغة الخاصة بالشاعر

كثيرا ما نسمع عن  مصطلح المعجم الشعري وأن هذا الشاعر أو ذاك له لغة خاصة به، والمعجم الشعري هو مجموع المفردات والتركيب التي يختارها الشاعر من نظام اللغة وطريقة توظيفه لها، وهذا الاختيار يخضع لحساسية الشاعر باللغة ووعيه الجمالي بالتاريخ الابحائي والدلالي للمفردة َووعيه بمدى قدرة تلك المفردة بالذات دون غيرها في التعبير عنه

اذا فاللغة والمعجم الشعري ليس اختيارا فقط بل هو اختيار واع  وطريقة الصياغة، والربط بين المفردات لصياغة جملة الربط بين الجمل لصياغة فقرة والربط بين الفقرات لصياغة نص، وهكذا يكون للشاعر لغته الخاصة على مستوى الاختيار من نظام اللغة ومستوى تركيب وصياغة تلك اللغة الذي يعرف بالأسلوب أو التكنيك، وهناك رأي الناقد ريفاتير يقول بأن الأسلوب هو الرجل أي اسلوب الشاعر والكاتب في الصياغة هو الشاعر أو الكاتب نفسه.

......

(٢)

شعر التفعيلة والشعر الحر.. المصطلح والتباس المفهوم

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------

أول استخدام للسطر الشعري بدلا من البيت كان في ديوان "هتاف الأودية" للشاعر اللبناني أمين الريحاني سنة ١٩١٠م واعيد طبع الديوان في لبنان سنة ١٩٨٦م، وفي مقدمة الديوان تحدث الريحاني عن الشعر الحر وقال إن كان شكسبير حرر الشعر الانجليزي من القافية فإن والت وايتمان حرره من وحدة الوزن، وأورد الريحاني تعريف "والت وايتمان" للشعر الحر بأنه المتحرر من العروض الرسمي، وان الشاعر يمكن أن يدمج أكثر من وزن في قصيدته وان موسيقى الشعر الحر موسيقى حرة، ثم جاءت نازك الملائكة وأحدثت نوعا من اللبس بين مفهوم الشعر الحر وشعر التفعيلة وقد أشرت إلى ذلك اللبس بالتفصيل في مقالي "نازك الملائكة وحداثتها المنقوصة في قضايا الشعر المعاصر" المنشور في مجلة الرافد الاماراتية عدد مارس ٢٠٢٠م،  إذ أن نازك في كتابها قضايا الشعر المعاصر أطلقت على شعر التفعيلة مسمى شعر حر، وهذا الخطأ مازال موجودا حتى الآن في الساحة الأدبية العربية، فإذا نظرنا لعلاقة شعر التفعيلة بالعروض ومفهوم الشعر الحر عند "والت وإينمان" سنجد أن شعر التفعيلة يختلف تماما عن الشعر الحر، فإن كانت قصيدة التفعيلة قامت بتكسير البيت الشعري الذي يعتمد على عدد محدد من تفعيلات البحر الواحد فإنها لم تهجر العروض والوزن بشكل نهائي، قصيدة التفعيلة تعتمد في بنائها الموسيقى على التفعيلة بدلا من البيت اي الشاعر ليس مقيدا بعدد محدد من التفعيلات في السطر الواحد والشاعر حر في الإتيان بحرف الروي من عدمه، اكتفت قصيدة التفعيلة بثمانية بحور من ستة عشر بحرا هي الرمل والرجز والهزج والوافر والمتدارك والمتقارب والكامل والسريع، ولا يجوز المزج بين أكثر من بحرين في قصيدة واحدة، وهي بذلك خرجت عن مفهوم الشعر الحر كما قدمه ”والت وايتمان“ وكما نشأ في الثقافة الأنجلو أمريكية، وهناك لبس آخر أحدثه جبرا إبراهيم جبرا عندما عرَّف الشعر الحر بأنه الخالي تماما من الوزن، وهذا اللبس لم ينتشر مثل اللبس الذي أحدثته نازك الملائكة.

وقصيدة العامية قصيدة شعر حر وليست قصيدة تفعيلة لأنها لا تقوم على وحدة التفعيلة بل تقوم على اعتصار موسيقى اللغة، والدمج بين التفعيلات المتقاربة وتحوير شكل التفعيلة بما يتناسب مع طبيعة العامية،

وقد أشرت إلى ذلك بالتفصيل في كتابي "عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة" الصادر عن إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد سنة ٢٠١٤م ص ١٥، ١٦،

وفي مقالي السابق الذكر المنشور في مجلة الرافد عدد مارس ٢٠٢٠م.

وفي مقالي "الشعر العامي العربي.. المفهوم والتاريخ والمصطلح" المنشور بمجلة الثقافة الجديدة المصرية عدد يونيو ٢٠٢٠م.

.......

(3) مصطلح قصيدة.. وكيف تكون قصيدة ونثر في نفس الوقت؟

 

القصيدة بنية لغوية جمالية دالة على الشعر، هي جسد الشعر وقلبه النابض، والقصيدة العمودية هي أقدم شكل شعري عربي، ولا يطلق على النص الشعري العمودي مصطلح قصيدة إن كان هذا النص أقل من سبعة أبيات موزنة ومقفاة بقافية واحدة، وما دون ذلك يسمى مقطوعا شعريا، وظل هذا الشرط ملازما للقصيدة العربية حتى بعد ابتكار أشكال شعرية جديدة في القرن الثالث الهجري وما بعده فلم يسموا النص الواحد من تلك الأشكال قصيدة بل سموا النص باسم الفن الشعري الذي ينتمي إليه فالنص الواحد من الموشح سموه موشحا والنص الواحد من الزجل سموه زجلا أو حملا وهكذا المواليا / الموال والدوبيت والكان وكان والقوما، لأن هذه الأشكال الشعرية سواءا فصيحة أو عامية كانت خارجة على الشكل العمودي وشروطه الشكلية الخاصة بالوزن والقافية، وإن كانوا أطلقوا على نوع من الزجل مسمى قصيدة زجلية وهذا النوع يقوم على وحدة الوزن العروضي ووحدة القافية وقد أورد ابن خلدون نماذج منه في مقدمته الشهيرة لزجال الأندلس عبد الله بن مدغلبس، وهذا النوع ظهر بعد رسوخ الزجل ذي المقطوعات المتنوعة القوافي الحرة الأوزان، ولم يكتب للقصيدة الزجلية الانتشار وظل الزجل ذو المقطوعات إلى يومنا هذا هو الممثل الرسمي لفن الزجل، وكذلك هناك الشعري البدوي العامي بلهجة أهل البادية كان يسمى النص الواحد منه قصيدة وهو قائم على وحدة القافية والوزن الحر الذي قد يخالف أوزان العروض وان كان هذا الفن الشعري خاص بأهل البادية ولم يدخل المحافل الشعرية الرسمية إلا قريبا، وظل الشعر العمودي مستحوزا على مصطلح قصيدة دون غيره من الأشكال الشعرية الأخرى في المحافل الثقافية الرسمية، إلى أن جاءت قصيدة التفعيلة وشاركت القصيدة العمودية في حوز مصطلح قصيدة، وجاءت قصيدة النثر منذ سنة١٩٦٠م لتشارك العمودي والتفعيلة في المصطلح، َومن هنا بدأ سؤال المعارضين كيف تكون قصيدة وكيف تكون نثر في الوقت وكما هو معروف ان القصيدة تدل على الشعر وليس النثر؟! أليس هذا تناقضا في المصطلح؟!، والإجابة أن قصيدة النثر شكل شعري فالشعر رؤيا مثل الحلم والكشف الصوفي فالشاعر صنو الحالم يشكل ويجسد رؤياه الشعرية بلغة موحية قائمة على التخيل والترميز والعمق، وشاعر قصيدة النثر يبحث عن الشعرية ( الرؤيا والتشكيل) في النثر الخالي من أوزان العروض، هي قصيدة خامتها النثر، وقصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية خامتهما النظم العروضي وقصيدة العامية خاماتها العامية، وكما قال أدونيس الشعر يمكن أن يكون نظما أو نثرا فالنثر والنظم مادة خام للشعر، وكما معروف في كل المجتمعات أن المنتج يسمى باسم الخامة ولنضرب مثلا لذلك في قولنا هذا قميص صوف وهذا قميص قطني وهكذا. فهذه قصيدة نثر وتلك قصيدة تفعيلة وتلك قصيدة عامية

.......

(4) الشعرية

مصطلح الشعرية أطلقه "تزفتان توردورف* وآخرون على الخصائص المجردة التي تعطي للنص الأدبي هويته، والشعرية بهذا المفهوم تعادل مصطلح الأدبية الذي أطلقه الشكلانبون الروس على العناصر والمقومات التي تجعل الأدب أدبا، إذا لا تقتصر الشعرية على الشعر فقط بل هناك شعرية القصة وشعرية الرواية، فعندما نقول شعرية السرد فإن المقصود هنا مجموعة العناصر الفنية المتضافرة التي تجعل السرد سردا ادبيا، وهي الراوي والمروي له والزمان والمكان والحدث والتنامي الدرامي والرؤية الفنية والعمق واللغة القصصية.. إلخ، وإلى أن الشعرية هي المقومات الأساسية التي تجعل الأدب أدبا، فهي أيضا تمثل الخيارات الجمالية وطريقة توظيف الأديب لأدواته بطريقة تخصه.

والشعرية إلى جانب ما سبق هي طريقة في قراءة النصوص الأدبية، وتشريحها والتعرف على مكوناتها والخصائص التي تعطي لكل نص فرادته وتميزه الأدبي، وهي قراءة للنص من داخله، فطالما لدى القارئ / الناقد معرفة بالعناصر التي تجعل نصا ما نصا ادبيا فإنه يستطيع قراءة النص والتقاط جماليته عبر تقصي لغه النص والإجابة عن أسئلة النقد كيف يقول؟ وماذا يقول؟! واستشراف ما يمكن ان تكون عليه النصوص القادمة للأديب من خلال الكشف عن الجماليات الجديدة  وإلقاء الضوء عليها وتنبيه الأديب إلى أهميتها والسعي إلى تطويرها.

وان كانت الشعرية في احد تعريفاتها تتفق مع الأدبية، فإنها كانت أكثر اتساعا وشمولا من الأدبية كما وضحت سابقا، بل إن الشعرية التي يطلق عليها احيانا الشاعرية قد انتقلت من حقل الإبداع الأدبي إلى الحياة العامة لتصف كل ما هو جميل، وما الذي يجعل الجميل جميلا فيقال مثلا هذا منظر شاعري وهذه جلسة شاعرية وهكذا..

......

(5) الدراما

 

مصطلح دراما من أصل الفعل    Dram في اللغة اللاتينية ويعني فعل الحركة "يتحرك" ، والدراما هي الشعر المسرحي وبداية المسرح كانت شعرية في حضارة الإغريق، حيث كان الشاعر يصعد للمسرح ويؤدي حركات تمثيلية اثناء  القاء النص الشعري، ويلون صوته ويغيره وهو يؤدي الحوار على لسان الشخصيات، ثم أضاف الشاعر ممثل ثان يلقى النص معه بحركات تمثيلية ثم ثالث ورابع إلى أن أصبحت كل شخصية يقدمها ممثل، وتنقسم الدراما إلى تراجيديا وتعني المأساة وكوميديا وتعني الملهاة الساخرة، ومن أشهر شعراء التراجيديا عند الإغريق سوفكليس صاحب مسرحية "اوديب ملكا" التي اشتهرت في العالم كله  اتخذ الطب النفسي من عقد اوديب تسمية لمرض الشعور بالذنب تجاه الأب، حيث أن الملك والد اوديب رماه على الجبل وهو صغير لأن العراف قال إنه انك ستنجب ولدا يقتلك ويتزوج أمه، فيجد ملك البلد المحاورة الطفل اوديب ويتبناه ويكبر اوديب ويظن لن هذا الملك هو والده، وبعد موت الملك يصبح اوديب ملك ويدخل في حرب مع البلد المجاورة ويقتل والده الحقيقي دون أن يعلم أنه والده الحقيقي ويرغب في الزواج الملكة ثم يكتشف أنها أمه فيفقأ عينيه وتنتهي المسرحية بهذه المأساة،

هذا عن الدراما الإغريقية، اما في في العصر الحديث فقد اتسع مفهوم الدراما واصبح يشير إلى التمثيل بوجه عام وخاصة تمثيل المسلسلات، واتسع كذلك مفهوم الدراما في الأدب فلم يعد يخص الشعر المسرحي فقط، بل أصبح يشير أيضا إلى بنية النص الشعري، فالقصيدة الدرامية هي القصيدة التي يوظف فيها الشاعر ثيمة من ثيمات المسرح كالحوار أو المكان والديكور والشخصيات ... أو تكون القصيدة ذات حس تمثيلي... وكذلك توصف القصيدة بأنها ذات بنية درامية إذا كانت تجسد فكرة الصراع بشكل تمثيلي، حيث ينطلق الشاعر من بؤرة حدث ما ثم يتصاعد هذا الحدث ويتنامي دراميا ويبرز فكرة الصراع بين ضدين، إذا فالقصيدة الدرامية هي القصيدة التي تعتمد على التمثيل وإبراز فكرة الصراع بين الأضداد أو المتناقضات.

.....

 محمد علي عزب