على بعد أمتار قليلة ، من شجرة التوت العتيقة ، شمّر الرجل الخمسيني عن ساعديه وبدأ يحفر حفرة كبيرة ، ليغرس فيها شجرته ،
نصحه بعض من أهله :
- ماجدوى أن تزرع توتة أخرى ؟
مادامت الأولي تثمر ، وتظلل حواليها فدان !
وكل أهالي القرية ماذاقوا توتا ..أشهى من ثمرتها ، توتها الأبيض عسلا مصفى ، والأسود ، شهدا بشمعه ،
حتى أطفال القرية ، اتخذوا من أغصانها مطايا في الأعياد فما ملت ضجيجا ، وكم تركوا جراحا وخدوشا على وجهها فما اشتكت .
والأخرى قد لا تثمر ، وقد تضن بأوراقها.. حتى على من يربى دود القز !
وقد تستفحل وتسد مجري الماء ، واحدة تكفي على رأس الفحل !
لم يسمع ، كانت فأسه تضرب وجه الأرض - بعز مافيه – وبعد صلاة العصر ، كانت شجرته الجديدة ، تقف على بعد أمتارقليلة من شجرة التوت العتيقة ، ممشوقة ا لقوام ، وبضع وريقات خضر لينات تداعب رأسها المكشوف !
مرت عدة شهور، وصاحبنا لاهم له الا شجرته الجديدة ، تعهدها بالسقيا ، و تحت جذورها كان ينثر السماد، كان يمني النفس بطعم آخر للتوت ، من أحضرها اليه قال :
- انها تثمر توتا أحمر ، ماذاق أهالى القرية مثله من قبل
كان يسقيها يوميا ، ثم كل يومين ثم ثلاث مرات في الأسبوع ، وينثر السماد تحت جذورها في الشهر مرتين هذه تعليمات غرس الأشجار !
، والشجرة العتيقة ، على بعد أمتار، تنظر في هدوء
علّه يجىء..ببعض قطر ماء أو حفنة من سماد ، أو حتى يربط الحمار في أحد الفروع ، علّها عليه قد تفىء ،
علّه يجىء ، يتناول الغداء ، أو يوقد النيران في فروعها ليطهى كوب شاي ثم يغفو لحظتين ، أو يطلق الغناء في آخر الحقول ، و لمّا لم يجىء ،
في آخر النهار ، وعندما كان يهم بالرجوع ، لفت انتباهه أن شجرة التوت العتيقة قد بدت ذابلة ، شاحبة ، و ألقت بكل أوراقها عالأرض - مع انها في فصل الربيع-
خيل اليه أنه قد سمع نحيبا وبكاء ، وخيل اليه أن الشجرة العتيقة بكل أغصانها وفروعها تئن وتميل ناحيته لتأخذه بالأحضان ، وقبل أن تصل اليه ، تعثر وقع على الأرض مذعورا ، هاله ، أن الشجرة اعتدلت ثانية ، ومالت ناحية الشجرة الأخرى واستطالت ، ما ان لمستها ، احتضنتها ، سمع - فرقعة - قوية
أفاق ، كامرأتين تتزاحمان على رجل واحد، كانت الشجرتان هما والأرض سواء .
......
طه سنجر
0 التعليقات:
إرسال تعليق