كشرت الريح عن أنيابها بكل ماأوتيت من قوة ،
بدأت تتجول بين الأشجار فتكسر منها الفروع وتقتلع الضعيف فيها،
وتجعل من الأتربةِ خيمة تنثرها على النوافذ والأبواب التى أوصدها أهل القرية مسرعين ؛لتفادى هذا الطوفان من الأتربة..لكن الله أرسل المطر كطيرٍ أبابيل تساقط قطراته سيلا رقراقًا لينتصر على تلك الريح، ويخمدُ هيجانها المدمر، فغاصت شوارع القرية فى بركة من الطين .
لكن "نعيمة" كما عهدها الجميع ... لايوصد لها باب تجلس كعادتهافى باحة دارها ترمق المارين ذهابا وإيابا لاتتكلم مع أحد حتى سلام الله لاترده على من يلقيه عليها!
تقلب النيران فى موقدٍ مشتعل أمامها كاشتعال الحزن بقلبها على فلذة كبدها وقرة عينهاالذى قتل على يد "جاويش" النقطة بتهمة باطلة ملفقة له"سرقة ثمار الرمان"
من عزبة "سليم باشا" المجاورة لزراعات القرية بضرب أفضى إلى الموت ودُوِّن فى شهادة الوفاة انتحار!
من يومها والشال الأسود لايفارق جبهتها معصوبا برباط يتدلى طرفاه على ظهرها عُقدته موثوقة جيدًا تميزت به دون نساء القرية صيفا وشتاء .
فى هذا البرد القارس والجو الماطر تترك "نعيمة "دفء الموقد بناره المشتعلة التى تقارب السقف فيضىء ماحولها،وأدخنته التى تهيج شعبها الهوائية فيسمع صوت سعالها القاصى والدانى
خرجت من دارها ؛لتأوى إلى شجرة عتيقة تتوسط الطريق الرئيسى ؛تعصمها من النار المتأججة بصدرها والتى لاتستطيع أمطار العالم أن تطفئها!
تقوقعت كقنفد تتجول بعينيها الغائرتين فى كل الطرق المتشعبة الاتجاهات لتصل القرى ببعضها وهى على تلك الحال رمقت دورية النقطة من بعيد.
بدأت دقات قلبها تفتت عظام صدرها ويزداد ارتعاش أناملها.
وقف "جاويش" النقطة على الطريق الرئيسى ووزع "الشاويش" و"الخفراء النظاميين"؛ليطمأنوا على الحالة الأمنية بالقرية.
قفزت "نعيمة" من خلف الشجرة تنزع الشال من فوق رأسها وهى تهرول مسرعة ناحيته لم يعير "الجاويش"اهتماما لهذه الخطوات؛علَّها أقدام كلب حراسة ليلى ،أو ثعلب خارج من جحره ليلًا، وإذ "بنعيمة"تُطَوِح بالشال فى الهواء وكَأَمْهَرِ لاعب بالسيرك يجيد كل ألعاب الخدع طوقته بطرفيه حول عنقه وجذبته ناحيتهابكل ماأُ وتيت من قوة لتسقطه من فوق صهوة جواده وتستقبله بسكين مدبب حاد لايفارق جعبتها صوبته فى صدره فاستقر فى قلبه ؛ليلفظ آخر أنفاسه على يديها النحيلتين واستحوذت على سلاحه الميرى "رشاش بور سعيد"وانطلقت فى الزراعات تعدو بسرعة جواد يحمل على ظهره أمهر الفرسان منتصرا فى أعتى المعارك الحربية.
عند عودة أفراد الدورية الليلية ودوا "الجاويش " غارقا فى بركة من الدماء وبجواره "شال"أسود ملطخ بالدماء وبطين الشوارع
انتشر الأفراد فى رحلة بحث عن صاحبة الشال فى الزراعات والشوارع والأزقة ..دون جدوى
أهل القرية كممت أفواههم بالحق المفتقد..لم يتفوه أحد باسم صاحبة الشال!!!
****""""*****
إلهام قربوص
عضو نادى أدب بهتيم
0 التعليقات:
إرسال تعليق